القصيدة رقم (11) من مشروع (ضدّ أفلاطون - الشعر على حيطان المدن)
عن الهولندية: ناصر مؤنس
في شيخوخته، كان ألبرت فيروي يعيش في سلام مع الحياة
رُسِمَت هذه القصيدة في عام (1999) ويُمكِن العثور عليها في (Rapenburg 70) حائط الحديقة لمكتبة جامعة ليدن القديمة، وهي القصيدة رقم (71) من القصائد المكتوبة على الحيطان. وجاء اختيارها عن طريق (فيليم أوترسبير) الأستاذ عن طريق التعيين الخاصّ في جامعة ليدن. يقول عن سبب اختياره: "اخترتُ هذه القصيدة بسبب محتواها الخالد، فهي تجمع بين اللامعنى والعزاء. وبسبب فلسفة الحياة المركَّزة فيها... وبصفته شاعراً وأستاذاً سابقاً في (جامعة ليدن) كان (فيروي) مهمّاً جدّاً بالنسبة إلى الجامعة، لأنَّه كان شديد الحساسيَّة لِما كان يحدث في تيّارات الفنِّ الأجنبيّة وأسهم في تطوير الجامعة. لذلك من المناسب جدّاً وضع قصيدة له". لكن، ما لا يُفصِح عنه (الأستاذ عن طريق التعيين الخاص) هو تلك الحكاية القديمة.
في عام 1924 تمَّ تعيين (ألبرت فيروي) أستاذا في جامعة ليدن. هذا الموقف لم يمرّ مِنْ دون عقبات. على الرَّغمِ مِنْ أنَّ فيروي كان معروفاً بثقافته العالية، إلّا أنّه لم يتلقَّ تعليماً أكاديميّاً. لقد علَّم نفسه بنفسه، وكان فخوراً بذلك. بعد ذلك، أصبح هذا التعيين بدايةً لتقليد تعيين الكتّاب الذين يعيشون في ليدن كأساتذة للأدب الهولندي. في الوقت الحاضر، يأخذ هذا التقليد شكلاً آخر هو (الأستاذ الزائر) الذي تتمُّ استضافته لعام واحد. ولا يزال برنامج (اللُّغة والثقافة الهولنديَّة) في جامعة ليدن يُكرِّم (ألبرت فيروي) بمحاضرة سنويَّة يُلقيها الأستاذ الزائر.
*(الرواقي)* (1)
هو الذي عرف صُنُوفَ السباحة كلَّها
وفنّ مداعبة الأمواج
لم يعد يعبأ بالخراب أو الصلاح
بالْمَدِّ أو الجَزْرِ
الآنَ، ينصبُّ تركيزُهُ على العَوْم
حتى وإنْ كان الظلامُ حالكاً.
وحين يحين موعد الموت
الغرق المحتوم لا يُخيفه
يضع جسده على الماء
ويطفو
بتدفُّق
وقبول.
كتب (ألبرت فيروي) هذه القصيدة في عام 1935 أو 1936، قبل وفاته بوقتٍ قصير. وظهرت في مجموعته (حمى سريعة الزوال). عنوان القصيدة هو (ستوا) المعروفة أيضاً باسم الرواقيَّة وهي مَذهَبٌ فَلسَفيٌّ من اليونان القديمة وكانت شائعة بشكلٍ خاصٍّ في الإمبراطوريَّة الرومانيَّة. وبحسب تعاليمها: فإنَّ كلَّ ما يحدث في العالم محدَّدٌ سلفاً، وحريَّة الإنسان تكمن في حقيقة أنَّه حرٌّ في الردِّ على ما يحدث له، ويتحمَّل مسؤوليَّته الخاصَّة. ويجب أن نعيش في وئامٍ مع الطبيعة. باختصار: إنَّها نظرة إلى الحياة. في هذه القصيدة، يُعبِّر (ألبرت فيروي) عن هذه النظرة للحياة "وحين يحين موعد الموت، الغرق المحتوم لا يُخيفه" بعد المعاناة علينا القبول بالموت وأن نسمح له بالمجيء بشكلٍ طبيعيٍّ، يجب أن ينصبَّ التركيزُ على العَوْم والسماح للنفس بالطفو مع التدفُّق وقبول القدر، حتى عندما يكون الظلامُ حالِكاً.
كان فيروي كاتباً غزير الإنتاج. كتب أكثر من 2000 قصيدة وروايات وقصص ومقالات. كان أيضاً نشِطاً جدّاً كمُحرِّر لمجلّاتٍ مختلفة. من خلال هذه الأنشطة، حقَّق دخلاً كبيراً لدرجة أنَّه تمكّن من إعالة أسرته الكبيرة ودعَمَ الكثيرين من المحتاجين. في شيخوخته، كان (فيروي) يعيش في سلام مع الحياة: لم يعرف الشكوى، ومرجع ذلك إلى الحكمة والتصالح مع الأشياء. كان الموت لا مفرَّ منه ولم يُخيفه. العيش بحسب الرواقيَّة يعني أيضاً الانسجامَ مع الطبيعة. وعندما يأتي الموت: قل له: مرحباً.
كان مثل (أوديسيوس) رأى مدناً كثيرة، وبحاراً عميقة وتعرَّف إلى عقولٍ مختلفة. اهتمَّ بالأفراد، واكتسب الحكمة والمعرفة، عاش في سلام ولم يخطر بباله الشكّ في ما يقوله.
ملاحظة أخيرة: ترتبط (جامعة ليدن) بالفلسفة الرواقيَّة من خلال أحد أساتذتها الأوائل (جوستوس ليبسيوس) كانت القوَّة الدافعة وراء انتشار (النيوستويَّة) عبر شمال غرب أوروبّا منذ أواخر القرن السادس عشر فصاعداً. وخلال عصر التنوير، كان للرواقيَّة الجديدة أهميَّة كبيرة على الفكر في أوروبّا وظهور التجريبيَّة باعتبارها الطريقة الوحيدة لاكتساب المعرفة العلميَّة.
1- عنوان القصيدة هو (ستوا-STOA ) وتعني الرواقيَّة، وبما أنَّ القصيدة تتحدَّث عن الحكيم الذي يعيش بحسب الفلسفة الرواقيّة وينسجم بشكل تام مع الطبيعة، لهذا ارتأينا ترجمة العنوان بـ (الرواقي).
2- الصورة: قصيدة الشاعر "ألبرت فيروي" تصوير: أنوشكا مينارد
0 تعليقات